Friday 23 April 2010

لحظات

اول شي بعتذر عن الانقطاع الطويييل عنجد هالمرة

هاد البوست فيه قبله 5 بوستات كتبتها بدون ما تنتشر! البلوقر كان غبي معي الفترة اللي راحت :@

المهم.. هالبوست رح ينتشر اعتقد بما انه انحفظ اصلا

**

لحظات تمر علينا غير مدركين لوقعها الشديد في حياتها. تأثيرها السلبي أو الإيجابي سيطفو إلى السطح يوما ما. عندها سنتوقف للحظة أو ربما لحظات راسمين علامات الاستفهام حول هذا الحدث.

اتسيقظ في وقته المعتاد -الساعة الخامسة ونص فجراً-
تثائب بتثاقل محاولاً تحريك عضلات ساقيه والتي جاهدت لتبقى في وضعها المريح على السرير.
التفط "الموبايل" من الطاولة الصغيرة بجانبه ونظر إلى الشاشة ببلاهة بعد أن طبعت اصابعه بشكل غريزي الرمز السري. مرت عشر ثواني حتى يستوعب أنه لم يتأخر عن موعد استيقاظه.
مشى على بلاط الشقة حافياً الى حمامه الفسيح العصري. كالعادة كان الرخام الأسود الفاخر يلمع بطريقة رومانسية عاكسا ضوء الشمس المتسلل من النافذة والاضواء المحيطة بالمرآة الطويلة فوق المغسلة.
خلع سرواله الداخلي الذي نام به، كم يحب شعور جسده العاري تحت أغطيته الدافئة.
أشعل الماء الدافئ ودفع نفسه تحته ليبدأ الشاور المعتاد والذي يستمر عشر دقائق.
لم يكن للنظافة بالمرتبة الأولى، في الحقيقة كان يعتبره "شاور التفكير". يحاول أن يفكر في حياته والمشاكل التي يواجهها.
دقائق من الراحة وحيدا تحت الماء الدافئ ومتعمقا في التفكير.
"عيد ميلاد مين؟" فكر، كان متاكدا من انه سجل ملاحظة ذهنية لنفسه بان يحضر هدية لعيد ميلاد احدهم لكن من؟
"بشتري هدية بتنفع للجنسين وخلص" تخلص من اولى مشكلاته لهذا الصباح.
انتقل الى التفكير في عمله كمحرر في دار مشهورة للنشر. حاول أن يرتب جدوله لكنه استسلم، من دون جهازه البلاكبيري كان من المستحيل تنظيم مهامه. أخذ يفكر في الكتاب الذي يعمل على نشره حاليا.
"بعد خمسة عشرة عاماً" كان العنوان اول ما جذب نظره. هذه الكلمات عادة ما نجدها في نهاية الكتاب لتختصر ما حدث للشخصيات بعد الاحداث الرئيسية. لكنه لم يرها من قبل على غلاف كتاب كعنوان له.
تدور أحدث الكتاب حول شابة مضطربة، وجدت نفسها تسيء لزوجها بعد أن عاشرت رجلا آخرا لم تقابله سوى من عدة دقائق في احدى البارات الرخيصة. كل ما شغل تفكيرها وهي في احضان رجل غير زوجها هو الحقد والكراهية.
جلست بعد ان فرغت حقدها نوعا ما في احضان الرجل وعلى صدره العاري. غط في نوم عميق بينما هي بقيت متيقظة تفكر.
حياتها بائسة، تكره زوجها دون سبب وتسيء إليه.
صديقتها تتجنب الحديث معها منذ شهرين دون سبب.
مصابة بالسرطان، دون سبب أيضا بالنسبة لها فهي تعيش حياة صحية.
عندها تقرر الشابة صوفي أن تبحث عن اسباب هذه المشاكل لتكتشف في النهاية ان هذا التحول البائس في حياتها بدا منذ خمسة عشر عاما.
ابتسم وهو يتذكر النهاية الدرامية مفكرا "من كان يتوقع؟"
صدر طنين خفيف لمرة واحدة وأدرك ان وقت الشاور قد انتهى.
أغلق صنبوري الماء ومد يده إلى الحائظ القرب ليلتقط منشفة الخصر. لفها حول خصره وخرج مقتربا إلى المغسلة.
التقط منشفة شعره وعصر شعره الكستنائي متوسط الطول بلطف.
وضع المنشفة جانبا ثم التقط منشفة وجهه وضغطها بلطف على وجهه لتمتص الماء.
بدا نظام العناية بوجهه المعتاد، قام بتنظيفه المعتاد ثم قام بالترطيب ووضع واقي الشمس وتاكد من عدم ترك اي اثار على بشرة وجهه البرونزية.

مد يده إلى مكواة الشعر وأدار زر التشغيل ليعطيها وقتها لتسخن ثم التقط السيشوار. ضغط على زر الهواء البارد وجفف شعره بالهواء البارد سريعاً.
وضع عدد من الكريمات على شعره بعناية ثم نشفه مرة أخرى بهواء السيشوار البارد.
التقط بعدها مكواة الشعر وبدأ بتمليس اطراف شعره لتظهر بشكل حاد.

خرج إلى غرفته وأخرج بدلته المعتادة للعمل ونزل في تمام السابعة إلى الشارع بعد أن تناول فطوره.
نظر بطرف عينيه إلى بواب البناية وهو ينزل ليرى إن كان ينظر إليه بحقد، ولم يرى ذاك الحقد المتوقع في عينيه.
تنفس الصعداء، كان يمر ببعض المشاكل ليلة أمس. وكعادته عندما يمر ببعض المشاكل يضع سماعات الآيبود في أذنيه ويصعد إلى سطح البناية ويقف على طاولة خاصة بالبواب ويرقص عليها مندمجاً بأغانيه ومتناسيا مشاكله. لكنه ضرب الطاولة بقوة في الليل مما ادى الى كسرها.
تساءل ما اذا لم ينتبه البواب اصلا الى انكسار الطاولة.

بدا يوم عمله الاعتيادي. انتظر قليلا الباص ليصل ثم نزل عند اقرب محطة من دار النشر.
اخذ الاصانصير الى دور الموظفين حيث توجه الى مكتبه الصغير الذي زاحم عدداً كبيراً من المكاتب الضيقة الاخرى.

ألقى التحية على بعض زملائه. وكعادتها زميلته العربية الأخرى في هذه الشركة الـ"نيويوركية" أحضرت له قهوته المفضلّة من ستاربكس.
"حياتي عنجد لو بتغيبي يوم عن الشركة مزاجي بينخرب" قالها وهو يستلم قهوته.
ريناد: "ايه لا تخاف حتى لو اضطريت ما داوم رح تلقى القهوة ع مكتبك"
"بس فيه فرق بين قهوة عالمكتب وقهوة من ايديكي الحلوة"
"ييه على هالحكي يا لؤي.. لو ما بعرفك كان ما شفت وشي تاني بعد هالحكي"
"بس انتي بتعرفيني" وغمز لها.
"ايه بعرفك. احكيلي شو اخبارك مع داني؟ لهلا متخاصمين؟"
"لا تذكريني.. عنجد صغر عقله هاليومين"
"لهلا متخاصمين" همست بصوت منخفض متحسرة. تذكرت كيف كانت علاقة داني ولؤي منذ اشهر قليلة: احد نقاش قد يدور بينهما كان حول ما اذا كان يجب ان يتناولا الطعام الايطالي ام الصيني.
أما الان، فلقد توقفت عن عد مشاكلهما بعد عاشر مرة للخصام، لكن هذه المرة كانت اطول فترة.

دخل لؤي إلى مكتبه ودخلت خلفه ريناد وأغلقت الباب الزجاجي. كان هناك سببان لعدم انتشار الإشاعات في المكان حول ريناد ولؤي: أولها أن لؤي مثلي، لكن ما منع انتشار إشاعة عن مشاعر من ناحية ريناد هو جدران المكتب الزجاجي مما يسمح لأي شخص بتفحص ما يحدث داخل المكتب.

"شو رايك اليوم نسهر؟" اقترحت ريناد. "مع بعض يعني.."
"اليوم؟" كرر لؤي وتظاهر بالتفكير قليلا قبل ان يكذب: "ما بينفع نخليها لبكرا؟ بدي اشتغل عالكتاب اليوم"
"متل ما بدك.. وقت الغدا انا ومجموعة من الموظفين رح نتغدى مع بعض.. شو رايك تشاركنا؟"
"ما بيمانعوا يشاركهم محرر؟" حاول لؤي التهرب.
"لا طبعا! بالعكس رح يقعدوا ينافقوا معك ومن هالحكي.."
"اوك" وافق لؤي وقرر في ذهنه الانسحاب بسرعة من الغداء.

ابتسمت له ريناد وهي تخرج من المكتب بعد أن أخذت معها مجموعة من الملفات من مكتبه.

جلس قليلا يحدق في الفراغ قبل أن يقرر ببدء العمل.
*ترررن*
كان جهاز البلاكبيري يرن مهتزاً على مكتبه، رفع نظارة القراءة عن عينه لينظر إلى الشاشة.
It's me danii :P
ابتسم ابتسامة سريعة وهو يتذكر اول لقاء بينهما، كان منذ عام ونصف تقريبا. كان لؤي وريناد يجلسان معا في مطعم إيطالي.
كان داني في نفس المطعم على بعد ثلاثة طاولات يجلس مع رجل آخر. لاحظت ريناد العاطفية بين داني والرجل الآخر -والذي كان يكبره بعدة اعوام كما يبدو فقد خط الشيب راسه-
مرت نصف ساعة وبدأ داني والرجل الآخر بالكلام بلهجة حادة قبل أن يقوم الرجل ويغادر تاركا داني ينادي عليه "ويت! اي دونت هاف اني ماني.. وييت!!"
جلس داني قليلا في مكانه وبدا حائرا وعلى وشك البكاء. لم يكن لؤي ينظر فلم يكن يجلس على الكرسي الذي يواجهه على عكس ريناد التي رات المشهد باكمله.
"مسكين"
"مين؟" سال لؤي
"الشب هداك.. حبيبه تركه وما معو مصاري يدفع اللي اكله"
"طيب؟"
"شكله طيب.. عادي ناديه؟"
"لا.. مو ناقصني"
مرت لحظات صمت مريب ولؤي يحدق في طعامه. ظن للحظة أن ريناد اختنقت فرفع راسه لينظر اليها. كانت تنظر إليه بنظرات عتاب في عينيه.
"شو؟"
"بحكيلك حبيبه تركه وما معه مصاري!"
"وحكيتلك لا!"
"بس حرام هيك يتبهدل"
"ريناد فيه غيرك بالمطعم يعني مافيه غيرنا يساعده؟"
"بحكيلك حبييييبه اللي تركه.. يعني الولد مثلي"
"وبحكيلك احنا بنيويورك.. مافيها شي لو الولد مثلي"
"يييه عليك شو بتقهر"
لم تنتظر ريناد رده بل قامت بنفسها ومشت إلى داني. دارت بينهما محادثة قصير وتحولت ملامح داني من الضيق إلى الفرح بنوع من الخجل. كانت اول مرة ينظر فيها لؤي الى الخلف الى الشاب الذي جذب انتباه ريناد. كانت الطيبة بادية على وجهه.
لم يطلب داني شيئا رغم اصرار ريناد بل انتظرهم حتى ينهوا القليل المتبقي من العشاء. وأصر لؤي على دفع الحساب كاملا بدلا من ريناد فهو كان يعي ظروفها المادية وكون راتبها كموظفة يكفيها وحدها.
أصر داني عندها على التعويض وهو يشرح أن الرجل الذي كان معه عرض عليه العشاء بشكل مفاجئ ولم يحضر بطاقة الائتمان الخاصة به. وافق لؤي واخذ داني البلاكبيري ليسجل رقمه بسرعة وسجل نفسه تحت اسم "it's me danii:P"

مسح لؤي الابتسامة عن وجهه لتذكره اول لقاء بينه وبين داني وضغط على زر كتم الصوت لجهازه. ثم أكمل عمله.
مرت عدة دقائق وتكرر الاتصال وقام بنفس الاجراء: كتم الصوت.
اتصل داني عدة مرات قبل أن يستسلم لؤي ويجيب "الو"
"ممكن نحكي؟"
"بشو؟ انا مشغول"
"عادي الحكي ما رح ياخد دقيقة.. انا عند الشركة تحت هلا طالعلك.."
"لحــ.." واغلق داني الخط.
شتمه لؤي في نفسه وخرج من مكتبه بخطى سريعة نحو المصعد.
فتح ابوابه، وبما انه كانت قد مرت نصف ساعة على موعد الدوام فلم يكن هناك غير داني في المصعد. كان في ملابس أنيقة كعادته.
دخل لؤي المصعد وضغط داني على زر الدور الأرضي.
نزل المصعد بهدوء إلى الطابق الأرضي. أضاء رقم "1" مشيرا إلى الطابق الأول وقبل وصول المصعد إلى الطابق الأرضي مد داني يده وضغط على زر إيقاف المصعد. حركة تكررت مرات كثيرة بينهما، إيقاف المصعد عند احتياجهما لبعض الخصوصية. احيانا للنقاشات واحيانا لاغراض اخرى.

"شو فيه؟" سال لؤي. "عندي شغل كتير"
"خناقنا كتر" قال داني "وبطلنا نطيق بعض.. قبل كنت اقعد اسبوع انام عندك او انت تنام عندي وتقريبا عايشين مع بعض.. هلا بطلنا نطيق نشوف بعض"
"لاحظت هالشي.."
"قابلت واحد.. وشكله طيب وبدي اطلب منه نتواعد"
انتظر داني تعليقاً من لؤي، لكن لؤي فضل البقاء صامتاً.
"متل ما قلتلك.. بدي اواعد غيرك.. فخلاص اللي بيناتنا انتهى.. انت اولريدي اخدت اغراضك من عندي فخلص.. بعتقد بس اني حكيتلك انه اللي بيناتنا انتهى بيحل المشكلة"
"منيح" قال لؤي محاولا الحفاظ على كرامته، لم يكن من النوع الذي لا يهان إن قرر أحدهم الانفصال عنه. "كنت رح كلمك بهالموضوع.. الي فترة ما عملت سكس وقابلت واحد عاجبني بدي نام معه كم مرة"
مرت لحظة صمت استطاع فيها لؤي رؤية عينا داني تدمعان قليلا. ابتسم بغرور وهو ينظر إلى منظر داني المكسور. همس سؤال في أنه عندها بإشفاق "هيك كان لما حبيبه اللي قبلي تركه بالمطعم؟"
بدون أن يقول كلمة أخرى، رفع داني يديه وضغط على زر الإيقاف مرة أخرى ليتحرك المصعد. انفتحت أبوابه بسلاسة وتحرك داني مسرعا إلى الخارج.

لم يتأثر لؤي لبقية الوقت ولم يذكر شيئا عن الانفصال لريناد. أتى وقت الغداء وتوجه لؤي مع ريندا وزملائها إلى مطعم قريب. لاحظ أن عددا من أصدقائه في العمل شاركهم الغداء.
دارت عدد من المواضيع حول طاولة الغداء. حتى فتح موضوع المخططات لليلة.
مخططات معتادة ومملة، أغلبهم لم يكن يمتلك أي مخططات حتى.
تكلم أحد أصدقاء لؤي-كريس- بالإنجليزية "أنا ولؤي سنسهر مع بعضنا البعض الليلة"
ابتسم لؤي وهو يقول بالإنجليزية أيضا "بالتاكيد سنفعل ذلك"
ضحك وهو يشرب القليل من شايه. ووقعت عيناه على ريناد الجالسة في الطرف المقابل من الطاولة.
بدا عليها الانكسار والإهانة، تذكر فجأة عينا داني في المصعد. لم يكن يهتم عندما جرح داني لكن مع ريناد كان الأمر مختلف.
قرر أن يتجاهل الموضوع ويتظاهر بأنه لم يخطئ، أشاح بوجهه وتصرف بشكل عادي.

انتهى الغداء وعاد الجميع إلى عمله. مر اليوم ببطء وبدأ الجميع بالمغادرة وقت المغرب.
بينما لؤي يقوم بترتيب بعض ملفاته، سمع صوت الباب يفتح من خلفه. كانت ريناد.
"فيه شي؟" قال لؤي وهو يدعي البراءة.
"انت وداني انفصلتوا!" قالت دون أن تحاول كتم الغضب بداخلها.
"اوه صح.."
"لؤي.. كم مرة كذبت علي؟"
"متى كذبت عليكي؟ ما حكيتلك بس ما كذبت!"
"لما تتذكر اني صديقتك ابقى ارجع كلمني.. لما تعتذر وقتها بفكر نحكي مع بعض تاني" اغلقت الباب خلفها وهي تبتعد. وقف لؤي متجمدا وهو يراها تبتعد حتى دخلت المصعد وابتلعتها الأبواب إلى داخله.
شعر نوعاً ما بالحزن. ريناد هي من تعرف جميع أسراره لكن غروره منعه من الاعتذار والاعتراف بخطئه.
رمى الملفات جانبا والتقط حقيبته وجهاز البلاك بيري ومشى إلى المصعد. وبينما كان ينزل المصعد إلى الدور الأرضي طبع رسالة اعتار إلى كريس معتذراً عن عدم تمكنه من الحضور وكذب عليه مرة أخرى متحججا بالعمل.


*** نهاية ***
التقط جهاز الآيبود ووضع السماعات في أذنيه. كان مهموماً لأول مرة منذ فترة طويلة بعد أن بدأ بإدراك ما حدث.
داني، الشخص الذي أحبه من أعماق قلبه تركه، ولؤي قام بجرحه واستحقاره كاذبا ومدعيا أنه سعيد بالانفصال لأنه يريد ممارسة الجنس مع غيره.
ريناد لا تتحدث معه بعد أن كذب عليها وتظاهر بالبرود أمامها.
كل ما كان يحتاجه هو الرقص على الطاولة.

حاول أن ينسى داني والجميع بتشغيل أغنية So What لبينك وهو يصعد الدرجات إلى سطح المبنى. ابتسم عندما رأى الطاولة سليمة، يبدو أن البواب قام بإصلاحها.

وقف عليها وبدأ رقصه. مرت دقائق وهو مغمض العينين يتحرك بشكل غبي مسميا حركاته "رقصاً"
انزلقت قدمه فجأة، لم يهتم بل أبقى عينيه مغمضتين. كان كثيراً ما ينزلق، وكالعادة يشعر بالهواء البارد لأقل من ثانية قبل أن يرتطم بأرض سطح المبنى.
لكن شعوره بالهواء يحاول رفعه استمر لأكثر من ثانية. شعر بسرعة جسده تزيد. صوت الهواء أصم أذنيه بصفيره.
فتح عينيه بنوع من الخوف. كان ما يراه هو الظلام التام ونقطتان وحيدتان تضيئان بلون فضي.
كم هو غريب قدرة العقل على استنتاج الأمور بسرعة كبيرة في لحظات حياتنا الحاسمة. أدرك أنه ينظر إلى السماء. أدرك أنه يقع إلى موته من سطح المبنى. فالمبنى على ارتفاع عشر طوابق، بالتأكيد لن ينجو. ابتسم وهو يسقط، الهواء البارد لطيف حقاً.

صوت مطرقة المحكمة. هل هذا ما سمعه؟ توقف عن الحركة، الرياح الباردة توقفت عن محاولة رفعه. ماذا حدث له؟
سائل بارد يحيط به، ربما مياه ترتفع من تحت الأرض؟ لا يستطيع تحريك جسده فهو.
أدرك بعد ثانية أنه قد ارتطم بالأرض ونجا. لكنه يغرق في دماءه، قدمه مكسورة كغصن شجرة في برد الشتاء القاسي.
لم يستطع أن يسمع أي شيء، رأسه مفتوحة بالتأكيد. لن ينجو، الدماء تنزف بغزارة من كل مكان في جسده. من المستحيل أن ينجو.

بدأ عقله بالعمل للمرة الأخيرة وتحركت عجلات التفكير بسرعة. كيف؟ كان يقع دائما من على الطاولة على أرضية السطح. لم وقع هذه المرة إلى مصير الموت؟
ابتسم بهدوء عندما أدرك السبب.
لو لم يكسر الطاولة، لما اضطر البواب إلى تحريكها لإصلاحها. لوقع على السطح عند انزلاقه.
لو لم ينفصل عن داني، لو حاول حل الخلافات بينهما. لكان داني الآن في منزله، لما صعد إلى السطح، لما انزلق، لما جلس هنا منتظراً موته المحتوم.
لو لم يكذب على ريناد، لكانت هنا تسهر معه ويضحكان، لما شعر بالضيق ولما يصعد إلى السطح ليرقص على الطاولة.
لو لم يعتذر لكريس.
لو انتبه إلى وضعية الطاولة.
لو قرر النوم. لو لم يجد الآيبود. لو فتح عينيه ورقص بانتباه.

تفاجأ عندها. "بعد خمسة عشر عاماً".
نفس النظرية في الكتاب. كل حدث بدأ منذ زمن طويل. وهذا الحدث -موته- لم يختلف عن أحداث بطلة الرواية.
تحركت أول عجلة في حدث موته منذ لقاءه الأول مع داني. تحركت عجلة أخرى عند أول خلاف بينهما. ومع مرور الوقت تبدأ العجلات تتحرك بشكل أسرع.
الانفصال، خصامه مع ريناد، انسحابه من الدعوة إلى البار، إنكسار الطاولة. جميعها عجلات تتحرك نحو حدث واحد حقيقي: موته.

أدرك الحقيقة، غالبا موت داني قد بدأ منذ زمن طويل أيضاً. نفس الشي بالنسبة لريناد.
جميعنا نموت، كل لحظة تمر بنا تدور إحدى العجلات نحو نهايتنا المحتومة: الموت.

سمع لؤي صوتاً ما ينادي اسمه، لكنه كان يموت. اختفتا النجمتان الوحيدتان في السماء. وتحول المنظر إلى سواد تام، لم يكن سواد الليل بالتأكيد. كان يفارق الحياة.

يد ما هزت كتفيه، هل هو ملاك يقبض روحه إلى مثواه الأخير؟ ربما.

فقد فجأة إحساسه بأي شيء، كما لو لم يكن له وجود من قبل حتى.

*
رأى ضوءاً أبيضاً ساطعاً. هل ما يقال عن ضوء والمسار إلى الجنة صحيح؟
أدرك أنه لن يعرف الجواب الآن، كان يحدق إلى سقف غرفة.
سمع صوت صيحات فرح باكية من حوله. "ريناد.. داني؟" همس بصوت واهن ضعيف.
طبع أحدهم قبلة على شفتيه وهو يكرر كلمة "احبك"
لم يمت بالتأكيد إذاً. وقوعه لم يكن سوى عجلة أخرى نحو نهايته المحتومة. لربما إدراكه هذه الحقيقة قد يحسّن من حياته. ربّما.
لكنه على الأقل لم يمت، بالتأكيد لم يمت.